الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)
.فصل في الحوالة: مأخوذة من التحول عن الشيء لأن الطالب تحول من طلبه لغريمه إلى غريم غريمه قاله عياض، والأصل فيها قوله عليه الصلاة والسلام: (مطل الغني ظلم، ومن أتبع أحدكم على مليء فليتبع). عياض: الصواب تسكين التاء يعني في اللفظتين قال: وبعض المحدثين والرواة يشددها. يقال: تبعت فلاناً بحقي وأنا أتبعه ساكنة التاء، ولا يقال أتبعه بفتحها وتشديدها إلا من المشي خلفه. قال: والأمر فيها للندب عند أكثر شيوخنا، وحملها بعضهم على الإباحة لما أشبهت بيع الدين بالدين. قال: وهي عند أكثر شيوخنا مستثناة من الدين بالدين وبيع العين بالعين غير يد بيد كما خصت الشركة والتولية والإقالة في بيع الطعام قبل قبضه، وكما خصت العرية من بيع الطعام بالطعام نسيئة لما كان سبيل هذه التخصيصات المعروف، وذهب الباجي إلى أنها ليس حكمها حكم البيع ولا هي من هذا الباب، بل هي عندهم من باب النقد لبراءة المحيل بنفس الإحالة. اهـ. وعرفها ابن عرفة بقوله: طرح الدين عن ذمة بمثله في أخرى. قال: ولا ترد المقاصة إذ ليست طرحاً بمثله في أخرى لامتناع تعلق الدين بذمة من هو له. اهـ. والطرح فعل الفاعل أي طرح المحال للدين عن ذمة المحيل إلخ. واعترض بأنه غير جامع لخروج من تصدق على رجل بشيء ثم أحاله به على من له عليه مثله ولخروج الحوالة بالمنافع، ولذا عرفها في التلقين بأنها تحويل الحق من ذمة إلى ذمة تبرأ بها الأولى قال في ضيح: لفظ حق أفضل من لفظ الدين الذي عبر به ابن الحاجب، لأن المتبادر من الدين ما قابل المنافع بخلاف لفظ الحق فإنه يشمل المنافع وغيرها. اهـ. ولعل ابن عرفة أطلق الدين على دين المنافع وغيرها فلا يرد عليه الاعتراض الثاني.(وامنع حوالة بشيء) عين أو عرض أو غيرهما (لم يحل) أجله لأنه حينئذ من بيع ذمة بذمة فيدخله ما نهي عنه من بيع الدين بالدين، ومن بيع العين بالعين غير يد بيد قاله ابن رشد. قال: إلا أن يكون الدين الذي انتقل إليه حالاً ويقبضه قبل أن يعترفا مثل الصرف فيجوز ذلك أي: لأنها إذا خرجت عن محل الرخصة فتجري على حكم أصلها الذي هو البيع كما يأتي (وبالذي حل بالإطلاق) يتعلقان بقوله: (أحل) أي أجزأ لحوالة بما حل مطلقاً كان الدين المحال عليه حالاً أيضاً أم لا لأنه إن حل فظاهر وإن لم يحل فزيادة معروف لأنه قبل الحوالة والتأخير. للاتفاق على أن لصاحب الحق أن يوكل من شاء على قبض دينه، وحكى ابن شعبان قولاً باشتراط رضاه ومحل عدم اشتراط رضا المحال عليه على المشهور إذا لم تكن هناك عداوة بين المحال والمحال عليه، وإلاَّ فلابد من رضاه وإلاَّ لم تصح كما في الشامل وغيره، ومفهوم النظم أن المحيل والمحال لابد من رضاهما وبه صرح (خ) حيث قال: شرط الحوالة رضا المحيل والمحال فقط إلخ. وظاهر النظم و(خ) أنه لا يشترط حضور المحال عليه ولا إقراره بالدين وهو الذي شهره ابن سلمون، وقيل: لابد من حضوره وإقراره وصدر به في الشامل وعزاه لابن القاسم فقال: وفي اشتراط حضوره وإقراره كانتفاء عداوة بينهما. قولان لابن القاسم وعبد الملك. اهـ. قال ابن عبد السلام: ولعل الخلاف مبني على الخلاف هل الحوالة تستثنى من بيع الدين بالدين أو هي أصل مستقل بنفسه؟ فعلى الأول يسلك بها مسلك البيوع إلا الذي وردت الرخصة فيه، وعلى الثاني لا يشترط الحضور ويبقى حديث الحوالة على عمومه إذ لا معارض له من مخالفة أصل بيع الدين بالدين. اهـ. وعلى قول ابن القاسم اقتصر في الاستغناء قائلاً: لا تجوز الحوالة على الغائب وإن وقع ذلك فسخ حتى يحضر إذ قد يكون للغائب من ذلك براءة. اهـ. ونحوه في الإرشاد والكافي والمتيطي وابن فتوح وقبله ابن عرفة وجزم به أبو الحسن في شرح المدونة، والمشذالي في حاشيته عليها كما في (ح) وهذا يفيد أن قول ابن القاسم باشتراط الحضور والإقرار هو المعتمد، وصرح ابن رحال في حاشيته هنا وشرحه لخليل بأن تشهير ابن سلمون خلاف الراجح، وتبعه على ذلك الشيخ بناني وغيره، ورد ذلك الشيخ الرهوني في حاشيته قائلاً، بعد نقله ما لابن رحال وغيره ما نصه: وفي ذلك كله نظر، والظاهر ما قاله ابن سلمون نقلاً ومعنى، أما معنى فلأنهم عللوا اشتراط حضوره بأنه قد يكون للغائب براءة من ذلك، وهذا التعليل يقتضي أن علة المنع إذا لم يحضر ويقل الغرر، وقد علمت أن الحوالة من ناحية المعروف والمعروف لا يؤثر فيه الغرر، وكونها من المعروف مصرح به في كلام غير واحد ويسلمه هؤلاء المعترضون، ثم نقل عن التونسي والمازري وغيرهما ما يشهد لاعتراضه على زعمه وأطال في ذلك.قلت: ما ذكره كله للنظر فيه مجال أما أولاً فلأنها وإن كانت معروفاً فإنما يغتفر فيها على قول ابن القاسم ما اغتفره الشارع صلوات الله عليها لأنها عنده بيع فما وردت الرخصة به فيها كعدم المناجزة في العين اغتفر، وما لم ترد به فهي على أصل البيع فيه، وعدم اشتراط المناجزة مصرح به في الحديث الكريم حيث قال: (ومن اتبع منكم) إلخ. إذ الاتباع لا مناجزة فيه، وكذا يفهم منه أنه لا يشترط الكشف عن ذمة المحال عليه إذ المطلق على إطلاقه فلا يقيد إلا بنص صريح، وإنما خص المليء بالذكر لأن الغالب في الناس الملاء كما أن الغالب فيهم جحد الديون من أصلها وإرادة الطعن في رسومها أو إثبات البراءة منها، وإن لم يكن هذا غالباً فلا أقل أن يستويا كما هو مشاهد، ولذا أمر الله تعالى بالإشهاد فقال: وأشهدوا إذا تبايعتم} (البقرة: 282) وأياً ما كان فهو غرر كثير وليست هي متمحضة للمعروف كالهبة حتى يغتفر فيها الجهل بحصول العوض، بل هي معاوضة حقيقة روعي فيها جانب المعروف بعدم اعتبار بعض شروط البيع فيها، ولو كان كل ما روعي فيه جانب المعروف يغتفر فيه الجهل بحصول العوض لم يشترطوا في العرية أن تباع بخرصها أي بكيلها، إذ لا حاجة له حينئذ ولأجل هذا قال ابن رشد: إذا خرجت الحوالة عن محل الرخصة أي بعدم الحلول يعني أو بعدم الحضور والإقرار على قول ابن القاسم فأجروها على قواعد البيع فإن أدت لممنوع وإلا فأجز. اهـ. وأما ثانياً فإن ما ذكره من أنها معروف فإنما ذلك على إحدى الطريقتين كما نقله هو بنفسه عن المازري قائلاً: والحوالة ليست ببيع على إحدى الطريقتين عندنا بل طريقتها المعروف. اهـ. ونحوه تقدم عن ابن عبد السلام في سر الخلاف بين ابن القاسم والغير، وغالب النقول التي احتج بها على جواز الغرر بعدم الإقرار كلها في عدم اشتراط الكشف عن ذمة المحال عليه، ولا يلزم من تشهيرهم عدم الكشف عن ذمته عدم اشتراط حضوره وإقراره، إذ قد يحضر ويقر ولا يدري هل مليء أو معسر، وإنما اغتفروا الكشف عنه على المشهور لأن غالب الناس الملاء والحكم للغالب وكونه عديماً نادر، والغرر النادر مغتفر في البياعات إذ لو اعتبر الغرر النادر فيها ما جاز بيع بحال إذ ما من مبيع إلا ويجوز استحقاقه أو ظهور عيب به فلا يدري هل يتم فيه البيع أم لا؟ ولكون غالب الناس الملاء علق في الحديث الكريم الاتباع على الملئ كما مر والله أعلم. (ولا يجوز أن يحال إلا فيما يجانس لدين حلا) (خ) عاطفاً على شروطها وتساوي الدينين قدراً وصفة أي: لا تجوز الحوالة إلا إذا كان الدين المحال به مجانساً أي مماثلاً للدين المحال عليه في الجنس والقدر والصفة كذهب وذهب أو فضة وفضة أو عرض على مثله قدراً وصفة فلا يحال بعين على عرض أو على منافع عين لما فيه من فسخ الدين ولا بذهب على فضة ولا بدينار على دينارين لما فيه من ربا الفضل اللهم إلا أن يحيله على أحدهما فقط ويبقى الآخر لصاحبه أو يقبض العوض المحال عليه مكانه، وأما المنافع فلا يجوز لأن قبض الأوائل ليس كقبض الأواخر ولا بالأدنى صفة على الأعلى كإحالته بيزيدية على محمدية، وفي العكس وهو أن يحيله بالمحمدية على اليزيدية أو بالأكثر قدراً على الأقل منه كإحالته بدينارين على دينار تردد (خ) وفي تحوله على الأدنى أو الأقل تردد أي بالجواز. اللخمي والمازري: لأنه زيادة معروف والمنع لابن رشد وعياض وهو ظاهر العتبية والموازية لأنه يؤدي للتفاضل بين العينين، وظاهر النظم أنه درج على ما لابن رشد لاقتصاره على التجانس أي في القدر والصفة، فيفهم منه أنه الراجح عنده قاله ابن رشد. الثاني من شروط الحوالة: أن يكون الدين الذي يحيله به مثل الذي يحيله عليه في القدر والصفة لا أقل ولا أكثر ولا أدنى ولا أفضل؛ لأنه إن كان أقل أو أكثر أو مخالفاً له في الصفة لم تكن حوالة وكان بيعاً على وجه المكايسة فيدخلها ما نهى عنه من الدين بالدين. اهـ. ثم محل المنع في التحول على الأعلى صفة إذا لم يقبضه قبل الافتراق وإلاَّ جاز إن حلا معاً إذ ذاك حينئذ مبادلة وشرط جوازها الحلول والقبض، وكذا محل المنع في المختلفين جنساً إذا لم يحلا ويقبضا في الحين كما قال: (ولا تحل بأحد النقدين) الحالين (في) أي على (ثانيهما إلا أن القبض اقتفي) أي اتبع بحضرة الثلاثة في مجلس لم يطل، وقولي الحالين احترازاً مما إذا لم يحل المحال عليه، فلا يجوز إذ صرف ما في الذمة شرطه الحلول، وأما حلول المحال به فهو الموضوع. (وفي الطعام ما) نافية (إحالة) مبتدأ خبره (تفي) أي تجيء والمجرور يتعلق به أي لا تجيء الحوالة في الطعام ولا تجوز فيه أنفق الطعامان أم لا. استوت رؤوس أموالهما أم لا. حلا أو احدهما أو لا. خلافاً لأشهب في إجازته إياها إذا اتفق الطعامان ورؤوس أموالهما على أنها من معنى الإقالة أو التولية إذ أخذ المثل عن مثله إقالة أو تولية (إلا إذا كانا) أي الطعامان (معاً من سلف) فتجوز حينئذ، وإن لم يحل الدين المحال عليه لأن طعام القرض يجوز بيعه قبل قبضه بخلاف ما إذا كانا معاً من بيع فإنها لا تجوز، ولو حلا ولو قبضه المحال بحضرة المحيل والمحال عليه لما فيه من بيع الطعام قبل قبضه إذ طعام البيع لا يقبضه إلا ربه، فإذا قبضه المحال كان بيعاً له قبل قبضه قال ابن المواز. (وفي اجتماع) طعام (سلف و) طعام (قرض يشترط) في جواز الحوالة بأحدهما على الآخر (الحلول) أي في المحال به كما هو الموضوع و(في) الطعام (ذا القبض) أي المقبوض حساً وهو الدين المحال عليه كان هو السلم أو القرض، فلابد من حلولهما معاً وإلاَّ لم تجز على مذهب ابن القاسم وقال مالك وجميع أصحابه إلا ابن القاسم: تجوز وإن لم يحل المحال عليه بمنزلة ما إذا كانا معاً من سلف. ابن يونس: وقولهم أصوب ووجهه أن العلة التي هي البيع قبل القبض ضعفت عندهم لما كان أحدهما من بيع والآخر من سلم قاله أبو الحسن، وأيضاً فإن العلة جارية ولو مع حلولهما معاً كما قاله (ت) وعلى قولهم عول (خ) حيث قال في تعداد شروطها: وأن لا يكون طعامين من بيع إلخ. أي بل كانا من سلف أو أحدهما، فعلم من هذا أن مذهب ابن القاسم الذي درج عليه الناظم ضعيف، فهذه أربعة شروط في كلام الناظم: حلول المحال به، ورضا المحيل والمحال، وتساوي الدينين وأن لا يكونا طعامين من بيع وبقي عليه شرط خامس وهو الصيغة. قال في الشامل: وشرطها صيغة بلفظها أي الخاص بها كأحلتك بحقك على فلان أو أنت محال به عليه، ومثله في (خ) ابن ناجي: واشتراط الصيغة هو ظاهر الكتاب قال: وعليه لو قال خذ حقك من هذا أو يأمره بالدفع ليس بحوالة لأنه يقول ليس هذا احتيال بالحق، وإنما أردت أن أكفيك التقاضي، وإنما الحوالة أن تقول: أحيلك بالحق على هذا وهو نص سماع يحيى عن ابن القاسم. اهـ. وعلى اشتراط الصيغة اقتصر ابن يونس واللخمي وأبو الحسن والفشتالي وفي وثائقه وأبو محمد صالح في شرح الرسالة وابن الفاكهاني، ووقع لابن رشد في البيان أنها تكون بلفظها أو ما يقوم مقامه كخذ من هذا حقك وأنا بريء من دينك واستظهره (ح) وهو ظاهر قول ابن عرفة: الصيغة ما دل على ترك المحال دينه من ذمة المحيل بمثله في ذمة المحال عليه. اهـ. وشرط سادس وهو وجود دين للمحيل في ذمة المحال عليه، وكذا للمحال على المحيل فإن لم يكن دين للمحال على المحيل فهي وكالة لا حوالة وإن لم يكن دين للمحيل على المحال عليه فهي حمالة يشترط فيها رضا المحال عليه، ولذا قالوا: لا يشترط رضا المحال عليه إلا في صورتين إحداهما هذه، والثانية أن تكون بين المحال والمحال عليه عداوة، وإذا كانت حمالة فإذا أعدم المحال عليه رجع المحال بدينه على المحيل، وإذا أدى المحال عليه فإنه يرجع على المحيل بما أدى ولو مقوماً كما تقدم في باب الضمان، وقولي: وجود دين أي كان ثابتاً ببينة أو إقرار أو تصديق المحال (خ) في تعداد شروطها وثبوت دين لازم فإن أعلمه بعدمه وشرط البراءة صح، ثم فرع على توفر شروط الحوالة قوله: ويتحول حق المحال على المحال عليه وإن أفلس أو جحد إلا أن يعلم المحيل فقط بإفلاسه وحلف على نفيه إن ظن به العلم قال في المدونة: وإذا أحالك غريمك على من له عليه دين فرضيت باتباعه برئت ذمة غريمك ولا ترجع عليه في غيبة المحال عليه أو عدمه. اهـ. قال المغيرة: إلا أن يشترط المحال على المحيل الرجوع عليه إن أفلس فله شرطه ويرجع على المحيل، ونقله الباجي كأنه المذهب ابن رشد، وهذا صحيح لا أعلم فيه خلافاً. ابن عرفة: وفيه نظر لأن شرطه مناقض لعقد الحوالة وأصل المذهب في الشرط المناقض أنه يفسده. اهـ. وقد ذكر ابن رحال ما يسقط اعتراض ابن عرفة فانظره ولا أقل أن يرد اعتراضه بأنها مع الشرط المذكور حوالة إذن وهي توكيل فلا يرد حينئذ ما قاله ثم مثل العلم بالإفلاس العلم باللدد فيفصل فيه بين أن يعلم به المحيل فقط فيرجع عليه وإلاَّ فلا. وأما علمه بأنه مسيء القضاء ففيه قولان. أحدهما أنه كاللدد والآخر أنه لا يضر، وأما علمه بأنه يجحد فإن كان معناه أنه علم من حاله أنه بعد تمام الحوالة يجحد إقراره الحاصل حين الحوالة، فهذا لا يوجب رجوعه على المحيل فيما يظهر قاله (ز) وإن كان معناه أنه لم يوجد الدين في ذمته لا ببينة ولا بتصديق المحال فإنه لا حوالة حينئذ لاختلال شرطها.
|